مبحث أحكام العقيقة
--------------------------------------------------------------------------------
مبحث أحكام العقيقة
جاء في العقيقة :
1-عن سلمان بن عامر الضبي قال : قال رسول الله r :" مع الغلام عقيقة ، فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى " رواه الجماعة إلا مسلما .
2-عن سمرة قال : قال رسول الله r :" كل غلام رهينة بعقيقته ، تذبح عنه يوم سابعه ، ويسمى فيه ويحلق رأسه " رواه الخمسة .
3-عن عائشة قالت : قال رسول الله r :" عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة " رواه أحمد والترمذي ، وفي لفظ :" أمرنا رسول الله r أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين " .
4-عن أم كرز الكعبية أنها سألت رسول الله r عن العقيقة ؟ فقال :" نعم ، عن الغلام شاتان ، وعن الأنثى واحدة ، لا يضركم ذكرانا أو إناثا " رواه أحمد والترمذي .
المسألة الأولى : تعريف العقيقة :
العقيقة في اللغة مأخوذة من الفعل ( عقّ ) بمعنى شق وقطع ، قال الشوكاني : "وسبب تسميتها بذلك أنه يشق حلقها بالذبح ، وقد يطلق اسم العقيقة على شعر المولود" ، لأنه يحلق في يوم ذبح العقيقة .
وفي الاصطلاح : " العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود شكرا لله تعالى بنية وشروط مخصوصة " .
هل يكره هذا الاسم ؟
قال ابن القيم :" اختلف فيه ، فكرهت ذلك طائفة واحتجوا بأن الرسول r كره الاسم فلا ينبغي أن يطلق على هذه الذبيحة الاسم الذي كرهه ، قالوا والواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال لها ( النسيكة ) ".
والحديث الذي يعنون : عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله r سئل عن العقيقة فقال :" لا أحب العقوق " أخرجه أبو داود وأحمد .
قال ابن القيم :" وقالت طائفة أخرى : لا يكره ذلك ورأوا إباحته واحتجوا بحديث سمرة :" أن الغلام مرتهن بعقيقته " وبحديث سلمان بن عامر :" مع الغلام عقيقة " ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة فدل على الإباحة لا الكراهة .
أما قوله :" لا أحب العقوق " فهو تنبيه على كراهة ما تنفر عنه القلوب من الأسماء ، وكان رسول الله r شديد الكراهة لذلك جدا حتى كان يغير الاسم القبيح بالحسن ويترك النزول في الأرض القبيحة الاسم والمرور بين الجبلين القبيح اسمهما ، وكان يحب الاسم الحسن والفأل الحسن ... فلما كان اسم العقيقة بينه وبين العقوق تناسب وتشابه كرهه r " .أهـ
المسألة الثانية : حكم العقيقة :
اتفق العلماء على مشروعية العقيقة في الجملة ، قال ابن المنذر :" وذلك أمر معمول به في الحجاز قديما وحديثا يستعمله العلماء " ، وقال يحيى بن سعيد :" أدركت الناس وما يدعون العقيقة عن الغلام والجارية " ، وقال مالك :" هذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا " .
واختلفوا في وجوبها على ثلاثة مذاهب :
المذهب الأول : العقيقة واجبة .
وهو قول الحسن والظاهرية ، ودليلهم :
1-حديث سمرة المتقدم ، قالوا : وهذا ليس إخبارا عن الواقع بل عن الواجب .
2-الأمر بالعقيقة كما في حديث سلمان :" فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى" وحديث عائشة : :" أمرنا رسول الله r أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين" ، وحديث عمرو بن شعيب :" أن رسول الله r أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعقّ " أخرجه الترمذي وهو حسن .
المذهب الثاني : العقيقة مباحة ليست سنة ولا واجبة .
وهو مذهب الحنفية ، واحتج بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله r قال :" من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل " ، قال الشوكاني :" وبهذا الحديث احتج أبو حنيفة على عدم الوجوب والسنية ، ولكنه لا يخفى أنه لا منافاة بين التفويض إلى الاختيار وبين كون الفعل الذي وقع فيه التفويض سنة ".
المذهب الثالث : العقيقة سنة مؤكدة .
وهو مذهب الشافعية والحنابلة ، وعند المالكية هي مندوبة والمندوب عندهم أقل من المسنون ، ودليلهم : الأحاديث المتقدمة ، قالوا : ولو كانت واجبة لكان وجوبها معلوما من الدين ، لأن ذلك مما تدعو إليه الحاجة وتعم به البلوى ، فكان رسول الله r يبين وجوبها للأمة بيانا عاما كافيا تقوم به الحجة وينقطع به العذر .
وقد علقها بمحبة فاعلها في قوله :" من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل " قال الشوكاني :" وذلك يقتضي عدم الوجوب لتفويضه إلى الاختيار ، فيكون قرينة صارفة للأوامر ونحوها عن الوجوب إلى الندب " .
وفعله r لها لا يدل على الوجوب وإنما يدل على الاستحباب ، سئل الإمام أحمد : العقيقة واجبة هي ؟ قال : أما واجبة فلا أدري ، لا أقول واجبة ، ثم قال : أشد شيء فيه أن الرجل مرتهن بعقيقته " وقال : لا أحب لمن أمكنه وقدر أن لا يعق عن ولده ولا يدعه لأن النبي r قال :" الغلام مرتهن بعقيقته " وهو أشد ما روي فيه .
وهو المذهب الأظهر .
الحكمة من مشروعيتها :
1-شكر المنعم على هذه النعمة العظيمة ، فإن الولد من أعظم المنن التي لا يعرف قدرها إلا من حرمها .
2-إدخال سرور على قلوب أهل البيت والفقراء والجيران والأقارب والأصدقاء .
قال ابن القيم :" من فوائدها أنها قربان يتقرب بها عن المولود في أول خروجه إلى الدنيا وينتفع بذلك غاية الانتفاع ، كما ينتفع بالدعاء وإحضاره مواضع النسك والإحرام عنه .
تفك رهان المولود ، فإنه مرتهن بعقيقته ، وقد اختلف في معنى هذا الحبس والارتهان:
1-قال عطاء وتبعه الإمام أحمد :" محبوس مرتهن عن الشفاعة لوالديه إذا مات صغيرا ولم يعق عنه "
قال ابن القيم : وفيه نظر لا يخفى ، فإن شفاعة الولد للوالد إذا مات صغيرا ليست بأولى من العكس ، وكونه والدا له ليس للشفاعة فيه وكذا سائر القرابات والأرحام .. فلا يشفع أحد لأحد يوم القيامة إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ، فإذنه سبحانه في الشفاعة موقوف على عمل المشفوع له من توحيده وإخلاصه ، ومن الشافع من قربه من الله ، ومنزلته ليست مستحقة بقرابة ولا بنوة ولا أبوة ، وقد قال سيد الشفعاء لعمه وعمته وابنته :" لا أغنى عنكم من الله شيئا " ..فمن أين يقال أن الولد يشفع لوالده فإذا لم يعق عنه حبس عن الشفاعة ، ولو كان الارتهان يتعلق بالأبوين لقال :" فأهريقوا عنكم الدم لتخلص إليكم شفاعة أولادكم " .أهـ
2-قيل : لا ينمو نمو مثله حتى يعق عنه ، وقيل : أن العقيقة لازمة لابد منها ، فشبه لزومها للمولود بلزوم الرهن للمرهون في يد المرتهن ، وقيل : أنه مرهون بالعقيقة بمعنى لا يسمى ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها .
3-العقيقة سبب لفك رهانه من الشيطان الذي يعلق به من حين خروجه إلى الدنيا وطعن في خاصرته ، فكانت العقيقة فداء له وتخليصا له من حبس الشيطان وسجنه في أسره ومنعه له من سعيه في مصالح آخرته التي إليها معاده .
قال ابن عثيمين :" المعنى أنه محبوس عن الانطلاق والانشراح ، وكذلك عن الحماية من الشيطان